سورة الصافات ۳٧: ١۰٧

 

“وفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عظيمٍ”

 

السَلامُ عليكُم.

يُعطينا القُرآن الكريم وصفاً تصويرياً رائعاً للتسليم لكلمةٍ مِنَ اللهِ في حياة خليل الله إبراهيم. نعتبِرُ أنفُسنا مُباركين أيضاً لمعرفة القصة.

 

إبراهيم يُدعى للخروج ….

 

واحدة مِن أوائل الأمثلة للتسليم لكلمة الله هِيَ عندما استلم إبراهيم الدعوة ليترك بلده، وعشيرته، وبيته وكان عليه الذهاب للمكان الَّذي يُريه إياه الله تعالى. أطاع إبراهيم طاعة ضمنية عندما تكلّم الله مَعَهُ. نقرأ ما دوَّنته (التوراة) سفر التكوين ١۲: ١ “وقالَ الرَّبُّ لأِبرام: (تغيَّرَ اِسمَهُ فيما بعد إلى إبراهيم) اِذهِبْ مِن أرضِكَ ومِن عشيرَتِكَ وَمِن بيتِ أبيكَ إلى الأرضِ الَّتي أُريكَ ” تستمر القصة في تسجيل اِستجابة إبراهيم ….

تكوين ١۲: ٤ “فَذَهَبَ أَبرامُ كما قالَ لَهُ الرَّبُّ… وكان أَبرامُ ابنَ خَمسٍ وسبعينَ سَنَةً لمَّا خَرَجَ مِن حارانَ”

لَمْ يكُنْ إبراهيمُ مُجرَّدَ شاب في هذا الوقت، كان مُستقِراً، وغنيَّاً، لكن عندما سَمِعَ إبراهيمُ صوتَ الله، أطاع بدون تساؤل. لمْ يُخبَرْ إبراهيمُ بوجهة سيره، لكنَّهُ بِكلِّ بساطة حزم أمتعتهُ وانطلق، تملأه الثقة أن الَّذي يقوده هُوَ الله. تطوَّرت العلاقة بين إبراهيم وبين الله، لقد فهم أن طريقه تعالى هي الأفضل، حتَّى عندما لم يفهم بالتمام لماذا. وبكلِّ بساطة، تمسَّكَ بكلمة الله، وسلَّم نفسه لإرادته. نحنُ بدورنا، نعمل الصواب لنًقدِّمَ ذات التسليم لله كما أدَّاه إبراهيم.

 

إبراهيم يُدْعى للتضحية…

 

يُخبر القرآن الكريم أن النبي موسى قد أُعطِيَ الأسفار المُقدَّسة (التوراة) أو الفُرقان بين الحقِّ والباطلِ. سورة (البقرة) ۲: ٥۳ “وإذ ءاتينا موسى الكتابَ والفُرقانَ لعلَّكُمْ تهتَدونَ”

في (التوراة) سفر التكوين كُتِبَتْ قصَّة إبراهيم كاملة.

يًسجِّلُ الأصحاح ۲۲ مِن التكوين الأحداث المُتعلقة بكيفية تقديم إبراهيم ابنه ذبيحة. يُظهر لنا كيف حدثت. لكن هل وقائع هذه القصة مُهمَة؟

تُخبرُنا سورة (الشُعراء) ۲٦ : ٦٨ بأن نُراجع قصة إبراهيم. عرف النبي الكريم مُحمد أن أحداث هذه القصة ستكون الأهم لنا لمعرفتها، لأِنَّ فيها عبرة نتعلَّمها. هكذا نسعى لنتلو القصة بالكامل. “واتْلُ عليهمْ نَبَأَ إبراهيمَ”.

في سفر التكوين ۲۲:۲ (التوراة) مكتوب “فقالَ (اللهُ): “خُذْ ابنَكَ وحيدَكَ”… تلى ذلك كلمات مُؤلمة جداً…”الّذي تُحبُّهُ، واذهَبْ إلى أرضِ المُريَّا، وأصعِدهُ هُناكَ مُحرَقَةً على أَحَدِ الجِبالِ الّذي أَقُولُ لَكَ”.

عندما طلب الله مِن إبراهيم أن يُقدِّمَ ابنَهُ ذبيحةً، أطاعَ إبراهيم طاعة ضمنية. تُقدِّمُ سورة (الصافات) صورة مُوجزة لهذه القصة ۳٧ :١۰۲ – ١۰٧ لم يكُن ذاك عملاً سهلاً على إبراهيم ليُنفِّذه. كان قلبُهُ الشفوق ينوء تحت حمل ألم أَبعد مِن الوصف. مع ذلك، قال الله تعالى كلمته، ودوَّى أمرَهُ بأوضح صورة في عقله، كان مِن عادة إبراهيم التواصُل مع الله. لقد تطوَّرت علاقة رائعة بين الله وبينه بحيث فهم إبراهيم صوت الله عندما سمعه. كانت روعة المحبَّة بينهما عظيمة عندما سمع إبراهيم صوته تعالى، أطاعه مِن كلِّ قلبه حتَّى عندما لم يفهم بالكامل لماذا.

 

دُعيَ إبراهيم “الحنيف”

 

يُعتبر إبراهيم “الحنيف” بين أُولئك الصادقين بحقٍّ والأكثر تقوى لله. “الحنيفون” هُم الأنقى في ديانتهم لله. نجد في سفر التكوين ۲۲ :۳ وقائع لماذا يُعتبَرُ إبراهيم “الحنيف”. بعدما أُعطِيَت الرسالة لإبراهيم، تقول الآيات … “فبَكَّرَ إبراهيم صباحاً وشَدَّ على حِمارِهِ، وأَخذَ اثنينِ مِن غِلمَانِهِ مَعَهُ وابنه، وشَقَّقَ حَطَباً لِمُحرقَةٍ، وقامَ وذَهَبَ إِلى الموضِعِ الَّذي قالَ لَهُ اللهُ”.

هذا ما جعَلَ إبراهيمُ مِن بين “الحنيفين”. عندما سمِعَ إبراهيم صوتَ اللهِ أَطاعَ وعملَ بموجبِ ما طُلِبَ منهُ. هل مِن الصواب اليوم أن المُطيعين لصوتِ اللهِ، أُولئكَ الّذينَ يستجيبون في تسليم لله لا يعرفون التساؤل هُم أيضاً مِن بينِ “الحُنفاء”؟

 

دُعي إبراهيمُ إِلى جبلِ المُريَّا

 

لم يكُن هذا الواجب الّذي طلبَهُ الله مِن إبراهيم ليعمله عملاً بسيطاً. نُلاحظ مِن سياق القصة أن الرحلة التي سار بها إلى أرض المُريَّا استغرقت ثلاثة أيَّام. كانت في الواقع ثلاثة أيَّامٍ طويلة ومُؤلمةٍ مُدركاً أنَّهُ قد يعود مِن مكان الذبيحة وحيداً. يتعجَّبُ المرء إذا وجد إبراهيم راحة خلال الليالي بينما كان مَن معه نياماً. بالحقيقة كان إبراهيم في صُراع داخلي، ولذا فقد توَّجه إلى الله بالصلاة بشأن تقديم اِبنه. نُتابع القراءة في (التوراة) تكوين ۲۲ :٤ “وفي اليوم الثالثِ رَفَعَ إبراهيمُ عينيهِ وأَبصَرَ المَوضِعَ مِن بعيدٍ. فقالَ إبراهيمُ لِغُلامَيهِ “اجلِسا أَنتُما هَهُنا مَعَ الحِمارِ، وأَمَّا أَنا والغُلامُ فَنذْهَبُ إلى هُناكَ ونَسجُدُ، ثُمَّ نرجِعُ إِليكُما”.

لم يكُن مِن شاهد لهذا الحَدَث أمامَ اللهِ، سِوى الأب وابنه. هكَذا “أَخَذَ إبراهيمُ حَطَبَ المُحرَقَةِ ووَضَعَهُ على ابنِهِ، وأخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ والسِّكينَ. فَذَهَبا كِلاهُما مَعاً. الآية السادسة. لم يمْضِ وقت طويل حتَّى تكلَّمَ ابن إبراهيم مُتسائلاً “يا أبي”… “هُوذا النَّارُ والحَطَبُ، ولكِنْ أينَ الخروفَ للمُحرَقَةِ يا ابني”. فذهبا كِلاهُما معاً. فلمَّا أَتيا إلى الموضِعِ الَّذي قالَ لهُ اللهُ، بنى هُناكَ إبراهيمُ المذبَحَ وَرَتَّبَ الحَطَبَ على المذبَحِ” ثُمَّ كشَفَ إبراهيمُ لابنهِ أنَّهُ سيكونُ الذبيحَةِ.

خَضَعَ الابنُ لِما طلَبَهُ الله مِن أبيه. وضَعَ ابنه على المذبح. كان هذا الابن المحبوب لإبراهيم في زمَنِ شيخوختِهِ. وإذ رفعَ إبراهيم يَدَهُ بالسِّكينِ توقَفَت يده… وإذ مَدَّ إبراهيم يَدَهُ وأخَذَ السِّكينَ ليذبَحَ ابنَهُ، ناداهُ صوتٌ وقالَ “إبراهيمُ! إبراهيمُ” فقالَ “هأنذا”  تكوين ۲۲:۱۱ ثُمَّ نُتابِعُ الآيات ۱۲ -۱۳ “فقالَ (اللهُ) “لا تَمُدَّ يَدَكَ إلى الغُلامِ ولا تفعلْ بِهِ شيئاً، لأِنِّي الآنَ عَلِمتُ أنَّكَ خَائِفٌ الله، فَلَمْ تُمسِكْ ابنَكَ وحيدَكَ عَنِّي”. فَرَفَعَ إبراهيمُ عينيهِ ونَظَرَ وإذا كَبْشٌ وراءَهُ مُمْسَكاً في الغابَةِ بقرنيهِ. فَذَهَبَ إبراهيمُ وأخَذَ الكَبشَ وأصعَدَهُ مُحرَقَةً عِوضاً عن ابنِهِ”.

 

فداء اِبن إبراهيم

كيف تَمَّ اِفتداء اِبن إبراهيم؟ يقولُ القرآن الكريم إنَّ اِبنه اِفتُدِيَ بِذِبْحٍ عظيمٍ. سورة ۳٧ :۱۰٧ “وفَدينَاهُ بِذِبحٍ عظيمٍ”

 علينا أن نسأل، هل كانَ الكبشُ المُمسَكُ بقرنيهِ في الغابة هو حقاً “الذِبْحِ العظيم”؟ أم أن هُناك المزيدُ لهذه القصة؟ هل مِن المُمكن أن الكبش المُمسَك في الغابة والَّذي وفَّره الله يُشير إلى الذبيحة العظيمة؟ هل يُمثِّل هذا ذاكَ الَّذي سيُرسله الله ليكون ذبيحة الخطيئة للعالم أجمع؟ بطريقة ما، يُمثِّلُ ابن إبراهيم كُلَّ البشرية. علينا جميعاً أن نموت أبديَّاً، نتيجة الخطيئة، لكن يُمكننا العيش، بسبب الكبش-الحَمَل الَّذي وَفَّرهُ الله، الّذي قًدِّمَ ذبيحة عِوضاً عنَّا اِسمه عيسى المسيح. مُرسلٌ مِن اللهِ ليكون ذبيحة لأجل الجنس البشري. أخطأ الإنسان، مع ذلك، الله وَفَّرَ الحل. كان على الجنس البشري أن يُفتدى بِذِبح عظيم مِن المُرسل مِن الله.

 

دُعِيَ إبراهيمُ مُباركاً مِن الله.

 

لأِجل أن إبراهيم أطاع صوت الله في هذا الأمر، الَّذي دُوِّنَت تفاصيله في “التوراة” تكوين ۲۲ : ۱٧ – ۱٨ حيث يدعو الله إبراهيم مُباركاً. وليس البركة محصورة بإبراهيم وحده، بَل في ذُرَّية ونسل إبراهيم، حتَّى أُممُ الأرضِ كُلِّها.

“إِنِّي (الله) أُبارِكُكَ مُباركَةً، وأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تكثيراً كَنُجُومِ السَّماء وكالرَّملِ الَّذي على شاطىءِ البحرِ، ويَتبَارَك في نَسلِكَ جميعَ أُمَمِ الأرضِ، مِن أجلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقولي”.

يُخبرُنا سفر التكوين ۲٦ :٥ ثانية لِماذا دُعِيَ إبراهيم مُباركاً. “مِن أجلِ أنَّ إبراهيمَ سَمِعَ لِقولي وَحَفِظَ ما يُحفَظُ لي: أوامري وفرائضي وشرائعي”. يُجادِلُ البعضُ أن الوصايا (الكلمات) العشر لم تكُن قد أُعطِيَت حتَّى زمن النبي موسى في سيناء، وذلِكَ بعد أبينا إبراهيم بوقت طويل، لكنَّ الآيات التي قرأناها في التكوين تُثبتُ الحقيقة إلى الأبد أنَّه حتَّى إبراهيم أطاع وصايا الله العشر لأِنَّهُ مكتوب أنَّ إبراهيمَ حَفِظَ شرائع الله.

إذا شئنا أن تكون لنا بركةُ الله، علينا أيضاً أن نُقدِّمَ ولاء الطاعة لكلمة الله ووصاياه، بنفس الطريقة الّتي أطاعَ فيها إبراهيم. وبِيقين أكيد، سننال نحن البركة مِن الله تعالى. كُلُّ الآيات في أسفار العهد القديم (التوراة) الَّتي تتكلَّمُ عن ذبائح الحيوانات كانت تقود إلى الأمام حيث “الذبيحة العظيمة” الّتي سيُرسلها الله.

لكن عندما جاء عيسى المسيح في وقته، فَهِمَ القلائل عمله ورِسالتهُ. القليل آمنوا أنَّهُ مُخلِّص العالم الساقط في الخطيئة. على المرء أن يسأل السؤال، لماذا طَلَبَ اللهُ مِن إبراهيم أن يُسافر إلى جبلِ المُريَّا؟ سيكون هذا نفس جبَلِ المُريَّا الّذي سيُبنى فيه الهيكل وحسب، بل وفي ذات البُقعة سيُقَدِّم عيسى المسيح نفسه بعد وقت كثير كذبيحة للجنس البشري.

وفي ذات الجبل، الجبل الّذي قَبْلَ قرون عديدة أُوقِفَتْ يَدُ إبراهيمَ كي يُنقِذَ حياة اِبنه، لكن في هذا الوقت لم تتوقف فيه يد الله، و”عيسى المسيح” الأقرب إلى الله، ذُبِحَ لأِجل البشرية. أسلَمِ عيسى المسيح حياته لأِجلنا.

كان اِختبار إبراهيم مع اِبنهِ نموذجاً لِما سيأتي. في وقت إبراهيم، وُجِدَ كبشُ الفداءِ، كبشاً مُمسَكاً بقرنيهِ في الغابةِ. يقول الإنجيل الشريف متى ۲۰:۲٨ “كما أنَّ اِبنَ الإنسانِ (عيسى المسيح) أتى … لِيَبْذُلَ نفْسَهُ فِديَةً عن كثيرينَ”. عرف حُكماء المشرق قديماً أن فِدية ستأتي عِوَضاً عن الجنسِ البَشري. نقرأ في الأسفار المُقدَّسة ما يلي في سِفر أيوب ۳۳:۲٤ “يَتَرأَفُ عليهِ (الإنسان) ويَقولُ أُطْلِقُهُ عَنِ الهُبوطِ إِلى الحُفرَةِ (الهلاكِ) قد وَجَدْتُ فِديَةً”. الفِديَةُ هِيَ ثمن يُدفَعْ للخاطىء لينالَ غُفران خطاياه. “أُجرةُ الخطيئَةِ هِيَ موتٌ” وكان على إبراهيم دفعَ الثمنِ عِوَضاً عنِ الإنسان أو سينزل بالتأكيد إلى الحُفرةِ (الهلاك) الَّتي تنتظره، مكتوبٌ في الإنجيل، أنَّ الله قَدَّمَ الذبيحةَ، الفِديةِ… الرسالة إلى العبرانيين ۱۰ :۱۲ “وأمَّا هذا (عيسى المسيح) فبعدَمَا قَدَّمَ عَنِ الخطايا ذَبيحَةً واحِدَةً، جَلَسَ إلى الأبدِ عن يمينِ اللهِ”

۱يُوحنَّا ۲:۲ “وَهُوَ (عيسى المسيح) كفَّارَةٌ لِخَطايانا، ليسَ لِخطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ العالَمِ أَيضاً”.

صديقَ الله العزيز، هل ستقبَل هذه الذبيحة، هذه الفِديَة مِنَ اللهِ لأِجلِكَ؟ لَكَ، أَيُّها الصَديق العزيز، أَعطى الله عيسى المسيح، المسيح “كَذِبِحٍ عظيم”. أُعطِيَ لَكَ ولي، كَمُخَلِّصِنَا مِنَ الخطيئةِ. رجاءً! اِقْبَلْ هذهِ النِعمَةِ المُقَدَّمَةِ لَكَ اليومَ!